فتح وما أدراك ما هي فتح.. مات الملك عاش الملك
نضال حمد – أوسلو
ليست الخلافات داخل حركة فتح ببسيطة، إنها خلافات اكبر من كل التوقعات ولن يتم حلها سوى بتحديد موقف من الجهات المختلفة بحق بعضها البعض. ويقال أن خط العودة أصبح مقفلا وأن هناك خلافات جوهرية بين عباس الذي يعني ما يقول ويعي كذلك ما يفعل وبين القدومي الذي يمثل آخر ما تبقى من الشرعية الفلسطينية الحقيقة.
نعتقد أن عباس يفضل أوسلو على فلسطين وهو يتصرف ويتحدث وكأنه رئيس الشعب الفلسطيني، مع انه ليس رئيسا لهذا الشعب ولم ينتخبه أي شخص من ستة ملايين لاجئ فلسطيني في الشتات. بل انتخب على أساس الوصفة "الإسرائيلية" - الأمريكية في انتخابات رئاسة السلطة الفلسطينية بنسبة 60% وكذا بالمائة من نسبة 42% من أصل سكان الضفة الغربية وقطاع غزة الذين شاركوا في الانتخابات الرئاسية المذكورة.
يأتي عباس إلى لبنان ويعلن قبوله بالتوطين، ويطالب مثله مثل سمير جعع والقوات اللبنانية التي ارتكبت مجازر صبرا وشاتيلا بنزع السلاح الفلسطيني.. وما علاقته هو بالسلاح الفلسطيني في لبنان وبالذات خارج المخيمات؟ فهو ليس سلاحا تابعا لفتح ولا للسلطة الفلسطينية. ثم يدلي السيد عباس بدلوه في المواضيع النهائية والأساسية مع الدول العربية وهو لا يملك أي شيء ولا يستند على أي جدار سوى جدار الفصل العنصري في فلسطين المحتلة.
عباس يحاول التصرف وكأنه رئيس الشعب الفلسطيني كله وهذا هراء، فلا هو ولا لجنة فتح المركزية ولا ما يسمى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وهذه اللجنة لم تعد شرعية وفقدت شرعيتها القانونية منذ رحيل عرفات ووفق دستور منظمة التحرير الفلسطينية، يقررون من هو رئيس الشعب الفلسطيني فالذين يقررون ذلك هم أبناء هذا الشعب في صناديق الاقتراع. وهم الذين ينتخبون رئيس الشعب الفلسطيني، هؤلاء الذين قدموا الغالي والنفيس وحملوا منظمة التحرير الفلسطينية على عظامهم وجماجم أهاليهم في المخيمات المبادة والأخرى الصامدة والصابرة على خطوط المواجهة الكثيرة. هؤلاء هم أبناء هذا الشعب الفلسطيني المتمسكون بجمر القضية رغم انه يحرق أياديهم يوميا..
الكلام عن الانتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني ومن اجل إعادة ترميم المنظمة وتصحيح مسارها واستردادها من الأيدي التي تعبث بها، أخذ يتردد في الأوساط الفلسطينية وفي المخيمات والتجعمات في دول الطوق والدول العربية الأخرى، وكذلك بدأت الجاليات الفلسطينية في أوروبا والأمريكيتين واستراليا تتداوله بشكل عملي في مؤتمرات ولقاءات شهدتها وتشهدها أوروبا، لذلك على رئيس السلطة عدم الخلط والتصرف وكأنه يمثل الشعب الفلسطيني كله، وعدم الحديث عن توطين الفلسطينيين، وكذلك عن نزع السلاح الفلسطيني في لبنان دون التوصل لانتزاع موقف وقرار دستوري من البرلمان البرلماني اللبناني يلزم لبنان برلمانا وحكومة وشعبا وطوائف بإعطاء الفلسطينيين حقوقهم كافة ويحميهم من الجزارين والقتلة والمتربصين بهم في البلد، فالخوض في تلك الأمور والسباحة عاتق الله التيار والدخول في المنطقة المحرمة لا يرتد على أصحابه سوى بالوبال.
خلافات عباس مع القدومي هي في جزء كبير منها انعكاسات لخلافات قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني مع السلطة الفلسطينية وحركة فتح التي تقودها والتي أوصلت الشعب بسياستها تلك إلى ما هو عليه هذه الأيام. والذين يعرفون تركيبة فتح وإدارة الأمور في تنظيم الحركة يعون كم هي الأمور معقدة، ويعرفون كم هو الوضع صعب،وان فتح التي عرفها الشعب الفلسطيني في عمان ودمشق وبيروت وتونس انتهت منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في نهاية سبتمبر (أيلول) 2000، وقد تعززت تلك القناعة بعد تسميم عرفات وتغيبه عن الساحة الفلسطينية، وبالعودة لتلك المرحلة حيث في تلك الفترة كان محمود عباس ومعسكره الذي يحكم الآن من أشد المعادين لعرفات ومعسكره، لكن بقدرة قادر فإن ما كان يعرف بمعسكر عرفات أعلن بعد وفاة الأخير بغالبيته تأييده لعباس، يعني مات الملك عاش الملك.
لا زلنا نذكر كيف أن أبا مازن قدم استقالته من رئاسة الوزراء لعرفات وكيف تبعها بإعلانه الاستقالة من حركة فتح وكيف اعتكف العمل السياسي وجلس في بيته إلى أن نقل عرفات إلى فرنسا للعلاج، ثم وبعدما مات عرفات تم تعيينه من قبل اللجنة المركزية لفتح (بالرغم من انه ترك فتح نهائيا) كقائد فتحاوي وعضو مركزية الحركة خليفة لعرفات في السلطة والمنظمة،مما يؤكد حرص أغلبية لجنة فتح المركزية على تثبيت نهج أوسلو في الساحة الفلسطينية، وهذا يدل على عدم رغبة بعض قادة فتح وأعضاء اللجنة المركزية في تحمل المسئوليات التاريخية والعودة بفتح إلى الينابيع..
لماذا؟
لا أحد يعرف فهذه من عجائب دنيا فتح السبعة..
إلى ذلك فبعد ترشيحه رئيسا للسلطة عن فتح وتسليمه ما تبقى من منظمة التحرير الفلسطينية وختمها الأوسلوي العجيب (اللجنة التنفيذية) الذي بفضله يتم التنازل عن الثوابت في رحلة الألف ميل على درب الآلام الأوسلوية، بعد ذلك تركت أمانة سر اللجنة المركزية لفتح للقدومي، ولو أنه كان بإمكان تيار التأوسل في فتح القيام بغير ذلك لفعل، لكن القدومي هو أمين سر اللجنة المركزية لفتح ومنتخب في المؤتمر وبحسب القانون، كما هو وزير خارجية فلسطين المنتحب وأيضا بحسب القانون، ومع أن القدومي كان يجب أن يكون رئيسا للجنة التنفيذية للمنظمة إلا أنه ارتكب غلطة العمر حين تنازل عنها لعباس الذي بدوره وبذلك ضمن اللجنة التنفيذية أي الشرعية بالرغم من انتهاء صلاحية وشرعية عمل تلك الشرعية، ثم أن عباس هو صاحب برنامج أوسلو وليس برنامج الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة، فكيف مرت تلك الأمور عبر معارضي أوسلو في لجنة فتح المركزية؟؟
على السيد فاروق القدومي أن يتحمل ويصبر ويجلد ويبحث عن بدائل في فتح أولاً، وفي القوى الفلسطينية التي يقوم بعضها باستجداء لقاء مع رئيس سلطة أوسلو، أو أن يعيد دراسة التحالف مع الفصائل لكي تكون الأمور واضحة جدا ومكشوفة للجميع، وعليه أن يقول للشعب الفلسطيني حقيقة ما يجري داخل فتح وموقف أعضاء اللجنة المركزية فيها من الثوابت والمحرمات والمقدسات الفلسطينية، فمواقف بعض هؤلاء ليست واضحة بعاتق الله وضوح مواقف المتأوسلين في اللجنة المركزية لفتح فهؤلاء مواقفهم هي الأكثر وضوحا، وهي التي تطغى على مواقف قيادة فتح بشقيها المنتخب والمعين في اللجنة المركزية.
هل هذا يعني أن هناك فجوة بين موقف قواعد فتح ومواقف قيادتها التي تملك المال وعصب الحياة في الحركة وفي السلطة وفي بقايا المنظمة؟
ثم هل فتح مع الاستمرار في مسلسل الجحيم الاوسلوي أم أنها مع تحقيق حقوق الشعب الفلسطيني؟
لا يكفي أن يقول لنا أبو مازن أن الرئيس بوش يتمنى إقامة دولة فلسطينية فقد كان بيريس يقول لعرفات عندما يتحدث الأخير عن حلمه بالصلاة في الأقصى وتحقيق الدولة وعاصمتها القدس، "احلم كما تريد فالقدس عاصمة دولة إسرائيل الأبدية فالأحلام شيء والواقع شيء آخر وإسرائيل لا تمنعكم من الحلم".. ونحن نقول لبوش ليس الصحيح أن تتمنى فالأمنيات شيء والعمل من اجل تحقيقها شيء آخر يتطلب الإصرار واتخاذ القرار وليس فقط التمني.
لجنة فتح المركزية مطالبة بأن تكون مع حقوق الشعب الفلسطيني كله بكل ملايينه وأن تقف وقفة عز مشرفة وجريئة تقول فيها كلمة الحق وتعترف بالخطأ والصواب وتعمل على تجنب الكارثة في الساحة الفلسطينية.
لكن هذا الذي نكتبه قد يبقى مجرد كتابة على الورق لأن حركة فتح شيء عجيب، حيث قلائل هم الذين يدركون ويفهمون كيف تعمل تلك الحركة. ففتح التي تجمعها مصلحتها وقت يشتد الخلاف ووقت تصبح الأمور فوق المحتمل تتوحد بالرغم من الخلافات الحادة.ونقول للمراهنين على شيء ما جديد أن مصلحة فتح ستظل فوق مصلحة الجميع، فهذه فتح وما أدراكم ما هي فتح..