"مرة"، يقول رئيس "الشباك" في السابق ووزير الأمن الداخلي آفي ديختر، "حاولنا تجنيد فلسطيني بسلسلة من الأحاديث، لم تنجح في الإتيان بالبضاعة. كان الرجل مصدرا غير عادي، في طاقته الكامنة. جرى اللقاء الحاسم في موقع تدريسي ما، كان فيه هيكل عظمي من البلاستيك. في هذه المرة كان مُشغله ومديره، الذي شارك في اللقاء ايضا، راضيين لان كل شيء قد انساب انسيابا. انفتح الرجل. بعد نهاية ثلاث ساعات، قال لهم: "اسمعوا، أنا مستعد للاستمرار في اللقاء. ولكن في المرة القادمة لا أريد أن يكون هنا اشياء كهذه"، يشير الى الهيكل العظمي".
على الرغم من أن الزملاء في الجيش الاسرائيلي يُعرفون مُركز "الشباك" أنه الرجل الأكثر أهمية من الجميع في احباط الاعمال الارهابية (ويراه الفلسطينيون أقوى تعبير عن الاحتلال وفظاعته)، أُبقي هذا الدور في غموض مقصود. من ناحية الصحفيين، كان اولئك الناس المجهولين مع اجهزة البيبر والذين يحسن إبعاد عدسة التصوير عنهم زمن التقاط صور اعتقال المطلوب، لانه اذا لم يُفعل ذلك ستتدخل الرقابة. كانت معارضة الكشف عنهم في الجهاز شديدة. لقد فرض رئيس "الشباك" السابق ديختر، في أوج القتال حظرا على انضمام المراسلين ؟؟؟؟؟؟ عسكريين، تخوفا من أن يحاول هؤلاء استخراج المعلومات من رجاله. السبب الذي جعل ديختر يوافق على الانفتاح قليلا وعلى أن يُقدم نظرة فاحصة الى طرق عمل مُركزي "الشباك"، وتلك منطقة كانت الى اليوم خارج مجال الصحفيين، هو أن الجهاز غدا ينقصه الاشخاص.
القتال المتواصل، وارتفاع مقدار التهديدات الارهابية والتآكل الذي يصحب شغل الدور لزمن طويل، ضاءلت الصفوف. إن خطوات سابقة، مثل فتح موقع "الشباك" على الانترنت (www.shabak.gov.il) قبل نحو سنة، جلبت القليل فقط من المرشحين المناسبين الآخرين للدورات التدريسية الأخيرة. في الاسابيع الأخيرة، وباجازة من رئيس "الشباك" الحالي يوفال ديسكن، تمكنت صحيفة "هآرتس" من النظر في مسار التصنيف، والتجنيد وتأهيل المُركزين.
"في السنة ونصف السنة الأخيرة صعب علينا جدا الوصول الى الناس الذين نبحث عنهم حقا. نحن نحتاج الى كل من يستطيع اجتياز مسار العذاب في الطريق الى الوظيفة"، تقول جهة في مقر الجهاز. "تصبح عملية التجنيد أكثر صعوبة، لأن توليفة الصفات التي نبحث عنها في المُركز قد تغيرت. يُحصل في الحقيقة على الكثير من التوجهات، عن طريق الموقع على شبكة الانترنت في الأساس، لكن أكثرها غير ذي صلة". يُبين الاحصاء ما يلي: من غير تعيين من يُرفضون رفضا تاما، بعد تأمل أولي للسيرة الذاتية التي أرسلوها، تقف النسبة بين المبتدئين بمسيرة التصنيف ومُنهي مسار الاعداد عند 25: 1. في اثناء الاعداد نفسه، يترك نحو من 20 في المائة من المرشحين.
الحجر الذي يوجد المطلوب تحته
يُعرّف موقع "الشباك" على الانترنت مهمة المُركز، كما يلي: "جمع المعلومات الاستخبارية بواسطة تجنيد واستعمال العملاء". عملية التصنيف والاعداد مشتركة بين المُركزين والمحققين ومهمتهم "التحقيق مع المشتبه فيهم بأعمال تخريبية معادية". وقُبيل نهاية الدورة التعليمية يوجه الخريجون الى واحدة من المهمتين. المؤهلات المطلوبة: خدمة عسكرية كاملة، ورخصة سياقة، واستعداد للمرونة في مكان السكن و"استعداد للعمل الصعب، الذي يتجاوز ايضا ساعات العمل المعمول بها".
حتى المدة الأخيرة كان يُحتاج ايضا الى لقب جامعي أول من مؤسسة اكاديمية، ولكن في نهاية الشهر الماضي أبلغ أمير أورن في تقرير في صحيفة "هآرتس"، أنه بسبب ضائقة القوة البشرية يقترح "الشباك" مسار خدمة جديدا على الشبان الذين سينضمون اليه ويختصون بالمجال العربي. سيستطيع من يُعدون لمهمة مُركز أو محقق، في نهاية الاعداد، أن يحظوا في غضون فترة مُقصرة بلقب خريج جامعة في دراسات اللغة العربية والشرق الاوسط. شرط السقف: درجة متواضعة في امتحان قياس الذكاء، 550. كان النشر كافيا لاثارة ردود معادية بين عدد من المحاضرين، الذين احتجوا على ما وصفوه أنه مصالحة على المستوى الاكاديمي، وفي الأساس أنه حلف مع قوات الاحتلال.
"في نهاية الأمر"، يعترفون في الجهاز نفسه ايضا، "نعمل هنا في اشياء قذرة. أنت تتحدث الى أناس أقنعتهم أن يخونوا كل عزيز عندهم، عائلاتهم، وشعبهم، ونضالهم القومي. ولكن اذا كنت تُود أن تمنع المخرب من الوصول الى تل ابيب، فان هذا ما يجب عليك فعله.. المهمة نفسها آسرة. من الصحيح أنه في السنين الأخيرة ازدادت أهمية الـ "سيجنت" (المعلومات الاستخبارية التي يُحصل عليها نتاج التنصت)، لكن امتيازنا النسبي يظل بسبب "يومنت"، الاستخبارات التي تأتي نتاج تجنيد مصادر عربية. النقطة الرئيسة في سلسلة الاحباط موجودة عند المُركز. فهو الذي يأتي في أكثر الاحيان بالمعلومات، التي تُحبط بفضلها العمليات التفجيرية في الوقت. ومن اجل الوصول الى ذلك يُحتاج الى معرفة عميقة بالميدان، وبالثقافة وكذلك بالقدرة على النظر الى الفلسطيني "في بؤبؤ عينيه". ليس الحديث هنا عن احباط من بعيد، وعن ظروف مختبر".
يقول يسرائيل حسون، الذي عمل نائبا لرئيس "الشباك" وابتدأ خدمته مُركزا في منطقة القدس، إن المُركز "يُفترض أن يُقدم العِلم في شأن واقع الحياة في الميدان. هذا عنصر برز نقصه لدى الامريكيين، في بدء حروبهم في أفغانستان والعراق. عندما ننظر في كل ما يحدث اليوم في العالم الغربي في محاربة الارهاب، يجب أن نعلم أن لاسرائيل امتيازا واحدا هو في استعمالها الـ "يومنت". تتعلم اجهزة الاستخبارات الاخرى منا. من الواضح أن الامريكيين في مجال الـ "سيجنت" لديهم قدرة تفوق قدرتنا بالتأكيد. ولكن من غير فهم دقائق الاشخاص والميدان، يصعب توجيه العمليات الاستخبارية والتنفيذية.
"امتياز المُركز الجيد هو بالتحقق من مفارق العمل التي تنشأ في الميدان الذي هو من مسؤوليته، وبفهم الدقائق. توجد امتيازات للتحليل الاكاديمي للمعلومات، وللمنظور، ولكن يوجد فرق كبير عندما تكون عارفا بالرجل الذي يواجهك وتعرف كيف تتبين عنده نقاط الضعف والقوة. قيود الـ "سيجنت" معروفة ايضا: يصعب تعرّف المشاعر أو النوايا. وفضلا على ذلك، اذا كان الجانب الثاني يتصرف تصرفا مستخفيا، فانه يصعب عليك التلميح له. يُحتاج هنا الى الـ "يومنت". تستطيع أن تقف فوق الحجر الذي يختبيء تحته المطلوب واذا لم يكن للمُركز عميل يُبلغه أن المطلوب موجود هناك فانك لن تعلم ذلك".
يضيف آفي ديختر أن القناتين، الـ "يومنت" والـ "سيجنت" مشكلتان. "يستطيع المصدر اليومنتي أن يكذب عليك. عندما يحدث ذلك في لقاء وجها الى وجه، تستطيع مع كل ذلك أن تحاول الحكم بحسب لغة الجسم، وتعبيرات الوجه. في الـ "سيجنت"، يمكن أن يكون اثنان يتحدثان ويمكن ألا تفهم فهما صحيحا، أنهما يكذب أحدهما علىالآخر، أو أنهما يكذبان عليك بالتنسيق بينهما". يقول أفراد اجهزة الأمن الفلسطينيون إنه في جزء ملحوظ من الاغتيالات، اعتمدت الاستخبارات الاسرائيلية على معلومات قدمها لها عملاء فلسطينيون لمُركزي "الشباك". فهم الذين نقلوا المعلومات في شأن الموضع الدقيق للرجل الذي قُتل قبل أن يُصاب.
ما الذي يبحث عنه "الشباك" عند المُركز؟ "يُحتاج الى قدرة للتعامل مع الناس حسنة جدا، والى مبادرة، وحب استطلاع، وابداعية، ومسؤولية، وثقة لا هوادة فيها. هذا عمل مستقل حيال مصادر المعلومات، يقتضي ايضا قدرة اقناع جيدة، وقوة حضور، ودهاء، وقدرة على التعلم وقدرة على مواجهة الاخفاقات"، يقولون هناك. ويكون ذلك مصحوبا، في أسهل الحالات، بجهود تجنيد فاشلة لعملاء وفي أشدها ايضا بالاحساس بالمسؤولية حيال فشل احباط عملية تفجيرية.
على نحو مفاجيء، الخلفية العسكرية للمرشح ليست ذات صلة خاصة. "يوجد تصور مخطوء، وكأننا نبحث فقط عن خريجي الوحدات القتالية. ليس هذا عنصرا ذا أهمية في خلفية المرشح، من ناحيتنا. توجد أهمية للخبرة في عمل ذي مسؤولية في الجيش، أن يكون مثلا خريج دورة قيادية". وهاكم مفاجأة اخرى: الاعتراف باستعمال المخدرات الخفيفة في الماضي لم يعد عائقا يحول دون القبول في الخدمة (كان وضع سقف كهذا سيرفض جزءا ملحوظا من المرشحين في فئة العمر ذات الصلة). سيكتفي "الشباك" بألا يتعاطى المرشح المخدرات تعاطيا دائما وبالتزامه ألا يمس المخدرات في المستقبل.
بولنديون يتحدثون العربية
يُعرّف آفي ديختر، وهو ايضا خريج دورة المُركزين، نقطة الامتحان التي يعلمون عندها أن المرشح قد وعى عمله، أنها المرحلة التي يبدأ فيها الحلم بالعربية. وجد غير قليل من المُركزين، كما يقول، أنفسهم يتحدثون الى نسائهم بالعربية. "يجب على المُركز قبل كل شيء أن يتسلح بأكثر سلاح أساسية وهو اللغة. في نظري، إن حقيقة أنهم أخذوا بولنديا مثلي أو مثل يوفال (ديسكن) وجعلونا نتحدث العربية بمستوى رفيع في غضون سنة، تقرب من السحر. بعد ذلك يأخذون هذا السلاح الى الميدان ويبدأون شحذه. يجب على المُركز أن يكتسب ثقة العميل وأجدى طريق لفعل ذلك التحدث بلغة واضحة واعطاؤه الاحساس بأنك موجود في نفس الجهة من المتراس".