"المُركز ممثل مسرح فعال. الفرق في القدرة بين مُركز وآخر يمكن أن يكون فرقا كالفرق بين السماء والارض، وأن تكون فضلا على ذلك قدرة تمثيلية. يوجد أناس لا تستطيع فهمهم أبدا: فهو لا يبدو عبقريا كبيرا، لكن لديه القدرة على أن يُلين العميل. إن جزءا من المعلومات الاستخبارية لا يمكن الحصول عليه ببساطة بغير الـ "يومنت". يجب أن يكون المُشغل الجيد شديد التنبه للغة جسم العميل، وللعبارات. احيانا، لا يشعر العميل بارتياح الى أن يُقدم المعلومات كلها. التجنيد هو في الأساس فن المراودة والعناد. فأنت تأخذ أحدا ما وتنقله من وضع أساسي معارض، الى استعداد للابلاغ وتجريم الآخرين، الذين قد يكون بعضهم من أقربائه.
"ليست هذه لغة حاسمة بين الاسود والابيض. توجد اختلافات كثيرة. يمكن أن يستغرق الأمر شهورا كثيرة الى أن تستخلص المعلومات منه. احيانا تأتي المعلومات الجيدة منذ البدء، لكن يجب عليك آنذاك أن تتحقق من أن العميل قد بقي مخلصا لك. من الواضح أنه يترك لقاءك ويعود الى الدفيئة، التي توحي اليه على نحو متواصل بالكراهية ومعاداة السامية. ومن ناحيتك، يعود اليك من المكان المشحون ويجب عليك أن تستوعبه في كل مرة، لكنك ذا مصلحة في أن يستمر في البقاء هناك.
"اذا كان منتميا الى قاعدة ارهابية، فعليك التحقق من أنك بقيت مُشغله الحقيقي وأنه لم يصبح "مزدوجا" (أي كشفته الجهة الخصم وتُشغله الآن، عميلا مزدوجا)، في قصد الى أن يعود للمس بك. يجب عليك طول الوقت أن تكون ضامنا أنه لم يُكشف بين لقاءاتكم، أو أنه يريد الانتقام لأن أحد أقربائه قُتل في عملية للجيش الاسرائيلي، وانت لا تعلم شيئا عن ذلك".
يتحدثون في "الشباك" عن لقاء مع فلسطيني بدا مرشحا مضمونا لأن يُجند عميلا، وطرأت صعوبات فجأة. "تشدد الرجل فجأة في توجهه، وعندما خرجنا فقط أدركنا السبب. كان على الجدار وراء المُركز صورة للحرم القدسي. رأينا فيها صورة معتادة لحائط البراق، لكنه رأى المسجدين فقوى ذلك عنده شعوره الوطني".
علاجات تخصيب لامرأة
غيرت الانسحابات الاسرائيلية من مدن القطاع والضفة في التسعينيات ومن القطاع كله، في العام الماضي بالانفصال، طابع مهمة المُركز. أصبح اعداد لقاء مع مصدر فلسطيني مهمة معقدة. يُبين مُركز قديم ذلك بقوله "عندما كنا نسيطر على غزة، مكثت في مبنى الادارة في مركز المدينة. اذا كان مصدر يريد التحدث، فانني كنت أبلغ اليه في غضون ربع ساعة". اليوم، أصبح من غير الممكن تقريبا اجراء لقاءات وجها الى وجه، فهذا الشيء يُعقد ايضا عملية التجنيد. حماس في القطاع هي مركز اهتمام رئيس من قبل الجهاز، ولكن يصعب اجراء لقاء مباشر مع مصدر ذي قدرة كامنة داخله، لأن عضوا معروفا في حماس لن يستطيع أبدا الحصول على تصريح دخول لاسرائيل. فاعطاء تصريح كهذا سيجعله مشكوكا فيه عند منظمته. ولهذا فان جزءا من تجنيد المصادر يتم اليوم بالهاتف.
وكذلك القدرة التي يمتلكها الجهاز حيال العميل محدودة. فعندما كان الجيش الاسرائيلي محتلا احتلالا كاملا، كان التعلق الفلسطيني باسرائيل كاملا. كان المُشغل يستطيع أن يهب للعميل طائفة كبيرة من التفضلات، من رخص العمل حتى لم الشمل. يقول ديختر إن المكافأة يمكن أن تكون "كل شيء يخطر في بالك، المال، وعلاجات تخصيب المرأة، وترتيب عمل، ورفع أجرة، وتخفيف عقوبة سجن جنائي". ولكن اليوم، وفي غزة أساسا، عامل التأثير الرئيس هو الضائقة الاقتصادية العظيمة وأصبح الحافز المالي اعتبارا رائدا. يُطلب الى المُركز أن يكون أكثر ابداعا في بدء الصلة بالمصدر ومع استعماله بعد ذلك. هذا أحد اسباب تغير القدرات التي يبحث عنها "الشباك" عند مرشحيه، وسبب أن المقاييس قد رُفعت.
يُعرّف "الشباك" المُركزين أنهم "فئة رأس الحربة" ويُعبر عن الأمر ايضا بشروط خدمتهم. فالأجرة تُعد جيدة نسبيا. ويحصل المُركز من اجل العمل الميداني على سيارة على نحو دائم، تبقى معه ايضا في فترة الدراسة بعدها. بعد ولاية في الميدان، يخرج المُركز لسنة دراسية للقب الثاني، على حساب الجهاز، مع نهايتها، يستطيع أن يشغل مختلف المناصب، منها العمل في جهاز الحراسة في الخارج، وهو عمل يُعد مكافأة ذات أهمية. إن جزءا كبيرا من المسؤولين الكبار في الجهاز اليوم، مثل ديختر وحسون قبلهم، وعلى رأسهم ديسكن، كانوا مُركزين في الماضي. امكانات الترفيع كثيرة، انطلاقا من فرض أن الاستمرار في عمل المُركز هو امتحان أعلى. "من ناحيتنا، اذا كنت مُركزا، فان الامر يشبه الطيار القتالي بالقياس الى سلاح الجو"، يُبينون في "الشباك".
من يُدرج كمُركز يضطر الى أن يفهم ضمنا "عدالة الطريق" للجهاز. على الرغم من أن كثيرين من خريجي التنظيم والعاملين فيه اليوم هم ذوو آراء حمائمية فيما يتعلق بجوهر الاتفاق السياسي الذي يُحتاج اليه مع الفلسطينيين، فانه لا توجد لديهم أوهام فيما يتعلق بالعمل نفسه. الاستخبارات، وبخاصة استعمال العملاء، مصحوبة بعمل قذر: استغلال نقاط الضعف واستعمال التضييق على الناس في الجانب الخصم، ليخونوا شعبهم. من اجل العمل في ذلك يجب أن تكون مقتنعا بأن هذه هي الطريقة الوحيدة لاحباط الارهاب وأن المعاناة التي يسببها هذا الأمر للمواطنين الفلسطينيين ضرورية من اجل منع عمليات في الجانب الاسرائيلي.
"أنا"، يقول يسرائيل حسون، الذي شارك في قمة كامب ديفيد في تموز 2000 واستطاع في هذه الاثناء أن ينضم الى يسرائيل بيتنا مع افيغدور ليبرمان، "ابن الجيل الذي حارب فتح حربا لا هوادة فيها وبعد ذلك جلس ليتحدث الى الاشخاص نفسهم عن السلام. قلت للفلسطينيين، حينما كنت في الخدمة ايضا، إنني أرى عملي منعا لسفك الدماء، مع الحفاظ على احتمال السلام. لم يكن ذلك طمسا للحقيقة. قلت للمُركزين: في اليوم الذي تخرجون فيه لاعتقال ولا يكون لكم حُرقة في القلب لأنكم تفصلون شخصا عن عائلته وأبنائه، قفوا، لأنكم فقدتم صورة الانسان